عودة الحياة الأكاديمية وريادة العمل المجتمعي: كلية الطب بالجزيرة تعيد إحياء برنامجها التاريخي لتنمية الريف
في ظل استقرار الأوضاع بمدينة ود مدني وعودتها إلى بر الأمان، احتضنت كلية الطب بجامعة الجزيرة فعالية حاشدة للدفعتين ٤٥ من الطب و٤٤ من طب الأسنان، في إطار عودتهم إلى مقر الجامعة الأساسي، مؤذنةً باستئناف مسيرة العطاء بعد تحرير المدينة.
يؤكد الدكتور عماد الجاك، عميد كلية الطب، أن هذا النشاط يعيد إحياء إرث أكاديمي عريق لجامعة الجزيرة، يمتد إلى عام تأسيسها ١٩٧٥. فبرنامج “التدريب الميداني المتداخل والبحث العلمي وتطوير الريف” ليس مجرد مقرر دراسي، بل هو تجسيد حي لفلسفة الجامعة المؤسسة على الانتماء للمجتمع. وقد بدأ هذا النهج بكليات الطب والتكنولوجيا والزراعة تحت مسمى “البرنامج المتداخل للبحث والتدريب الميداني وتنمية الريف”، ليعود اليوم بأكثر من ٢١١ طالب وطالبة، وبشراكة نوعية مع كلية طب الأسنان.
ويضيف العميد: “نعمل ضمن ١٠ مجموعات في ١٠ مجمعات سكنية، حيث ينفذ الطلاب أنشطة أكاديمية وجمع البيانات، بالإضافة إلى أيام علاجية وإصحاح للبيئة وتوعية صحية”. مؤكداً أن العمل في الريف يمثل إحدى الاستراتيجيات الرئيسة للجامعة، خاصة في ذكرى مرور نصف قرن على تأسيس كلية الطب.
من جانبها، تغوص الدكتورة عبير عبدالرحمن التلب، منسقة البرنامج، في الجوهر التربوي للمقرر، موضحة أنه يهدف إلى تخريج طبيب لا يتمتع بالكفاءة الأكاديمية فحسب، بل يكون قادراً على فهم الخلفية المجتمعية للمواطن. وتقول: “هذه المقررات تمكن الطلاب من اكتساب المقدرة على العمل في مجموعة، وتنمية روح القيادة، والمبادرة، والعمل الجماعي”.
وتضيف: “الطلاب يعملون على تشخيص المشاكل الصحية والمجتمعية، ويجلسون مع أهل المناطق لتحديد المشاكل ذات الأولوية، ويضعون مشروعاً لخدمة المنطقة”. مشيرة إلى أن هذه البرامج تعزز من إسهام الطالب المباشر في تنمية الريف، وتجعله قريباً من المجتمع وقضاياه.
يتبنى البرنامج منهجية شاملة تجمع بين البحث العلمي التطبيقي والعمل المباشر، حيث يتلقى الطلاب معظم تدريباتهم على المستوى الريفي، مما يمكنهم من تلمس المشاكل الحقيقية لهذه المجتمعات. كما يحظى البرنامج بمتابعة مباشرة من خلال زيارات إشرافية يقوم بها الأساتذة، واجتماعات تنسيقية مع أهالي القرى واللجان المجتمعية.
تمتد فوائد هذا البرنامج لتغطي الجانب التدريبي المباشر، حيث تسهم هذه البرامج في تعزيز سمعة الجامعة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، كما تترك أثراً نفسياً إيجابياً على الطالب. هذا الاستثمار في الطلاب اليوم يمثل استثماراً في مستقبل الصحة والتنمية بالسودان، لبناء جيل من الأطباء القادة القادرين على قيادة التغيير الإيجابي في مجتمعاتهم، محملين برسالة جامعة الجزيرة التنموية التي تضع تطوير الريف في صلب رؤيتها ورسالتها.
