University of Gezira – جامعة الجزيرة

الإبداع والتميز العلمي

خمسون عاماً من الريادة والعطاء.. الحوش تحتفي بجامعة الجزيرة في يوم ثقافي يعيد وصل العلم بالمجتمع

خمسون عاماً من الريادة والعطاء.. الحوش تحتفي بجامعة الجزيرة في يوم ثقافي يعيد وصل العلم بالمجتمع

في مشهد يعيد تعريف العلاقة بين الجامعة ومحيطها، احتضنت كلية العلوم الصحية والبيئية بالحوش اليوم الثقافي المفتوح ضمن فعاليات اليوبيل الذهبي لجامعة الجزيرة، تحت شعار: خمسون عاماً من الريادة والعطاء. كان الحضور طيفاً واسعاً من مكونات المجتمع والدولة: المقاومة الشعبية، الاستخبارات، الشرطة، السجل المدني، درع السودان، البراؤون، مرور الحوش، البنك الزراعي، إلى جانب المجتمع المحلي، في دلالة بليغة على أن الجامعة ليست مجرد صرح أكاديمي، بل قلب نابض في جسد الوطن.

افتتح البرنامج بالنشيد الجمهوري، ثم كلمة اللجنة الثقافية التي قدّمها الدكتور ياسر عبدالقادر، واضعاً مساراً قيمياً لما بعد الخمسين: نصف قرن من العلم والمعرفة والريادة، وجامعة خرجت من أسوارها لتلامس حاجات الناس عبر مبادرات نوعية كالناموسيات المشبعة ومشروع أسماك القامبوزيا لمكافحة يرقات البعوض. في رسالته، ربط بين تحديات الوطن الكبرى وواجب الجامعة في تحقيق السلام والتنمية المستدامة، مؤكداً عهد الخمسين القادمة: خدمة المجتمع، التميز، والابتكار.

عميدة الكلية الدكتورة أمل عبدالغفار أعادت تبيان سيرة ثلاثة عقود في كفة الإنجاز: 31 عاماً، 24 دفعة، كوادر صحية تتصدر الهرم المهني داخل السودان وخارجه. شددت على أن اختيار الحوش مقراً للكلية كان قراراً علمياً ومجتمعياً موفقاً، وأن فلسفة الجامعة في البحث وخدمة المجتمع بقيت البوصلة منذ التأسيس عام 1994 واستقبال أول دفعة في 1995. شكرت المجتمع المحلي الذي كان شريكاً في وضع القواعد وتثبيت الأركان.

من الميدان الاجتماعي، جاء صوت ممثل المجتمع المحلي كامل عمر سالم ليؤكد أن جامعة الجزيرة “محبوبتنا”، وأن الكلية بالحوش درة الكليات لأنها جسّدت التكامل المعرفي والبحث الموجه لحل المشكلات الصحية. دعا لترجمة البحوث إلى سياسات عبر المؤسسات المختصة، وتعهد باسم إنسان الحوش بإعمار الكلية وإسناد المجمعات الجامعية، في تعاقد أخلاقي على التنمية بالمشاركة لا بالوصاية.

من منصة المقاومة الشعبية بولاية الجزيرة، قدّم البروفيسور الصادق آدم عمر شهادة خريج وفاعل مجتمعي في آن واحد، فوصف الجامعة بكريم الصفات وأبهاها: “جمال وزهو ويُمن ورُقي وتقدم وتميز، وبأنها بصمة حية بين شرياني البلاد: النيلين الأبيض والأزرق”. أكد وقوف المقاومة جنباً إلى جنب مع الجامعة في مسيرة الإعمار لتظل متقدمة على مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي، وربط بين صمود الفاشر وبارا ورسوخ المؤسسة الأكاديمية في الوجدان الوطني.

البرنامج الثقافي لم يكن زينة شكلية، بل لغة شعورية وحدت القاعة: كورال الكلية بأغنية سوداني الجوّة وجداني بريدو، وأناشيد ترفع الروح المعنوية وتحيي جيش الوطن، ثم كورال الجامعة بقيادة الموسيقار صديق وزة الذي قدم نماذج مما سيُعرض في الاحتفال الكبير نوفمبر المقبل. كان الفن هنا امتداداً للمعنى: جامعة تُنصت لنبض مجتمعها وتردّ عليه بانسجام.

في كلمة محورية، قدّم الدكتور ياسر هلال الهاشمي، وكيل جامعة الجزيرة، سرداً توثيقياً لقصة إدارة في عين العاصفة: حين دخلت الحرب ربوع البلاد انتقلت الجامعة إلى كسلا وأدارت عملها من هناك، وظلت أول جامعة توفر المرتبات وتُنجز الشهادات والدراسات العليا. ومع تحرير الولاية في 11 يناير، عادت الجامعة إلى مقرها في اليوم التالي، وشكّلت لجان الحصر والصيانة لتستأنف نشاطها في 15 أبريل. كانت أيضاً أول جامعة متضررة تعيد طلابها حضورياً. هذه الوقائع رسمت ملامح مؤسسة لا تعرف الركون، وتستمد قوتها من تلاحم أساتذتها وموظفيها وطلابها ومجتمعها.

عليه؛ يمكن قراءة اليوم الثقافي بالحوش باعتباره نموذجاً للجامعة المواطِنة: انتقال من خطاب الإنجاز إلى فعل الشراكة، ومن التعليم كنقل معرفة إلى التعليم كمنظومة خدمة عامة. حضور الأجهزة النظامية والمؤسسات المالية والمجتمع الأهلي لم يكن بروتوكولاً، بل شبكة دعم لوجستي ومعنوي تُترجم إلى إعمار، تمويل، وتأمين بيئة تعلم وبحث. مبادرات الكلية في الصحة العامة (الناموسيات، القامبوزيا) تمثل بحثاً تطبيقياً منخفض التكلفة عالي الأثر، وتُظهر كيف يمكن للجامعة أن تخفض عبء المرض عبر تدخلات قائمة على الدليل. أما استدعاء ذاكرة الصمود أثناء الحرب، فيؤسس لسردية مؤسسية تمنح الشرعية والقدرة على الحشد لإعادة البناء.

تتبدى هنا معادلة القوة الناعمة للجامعة: كورال يرفع المعنويات، بحث يخفف المعاناة، إدارة تستعيد الإيقاع بسرعة، ومجتمع يعلن التزامه بالإعمار. إن استثمار هذه اللحظة يتطلب تحويل التلاحم إلى آليات مستدامة: منصات مشتركة لتحويل البحوث إلى سياسات، صناديق مجتمعية للإعمار والصيانة، شراكات مع القطاع المالي لدعم الابتكار الصحي، وبرامج خدمة مجتمعية منظمة تجعل من كل دفعة خريجين مشروع أثر ملموس في القرى والمدن.

تم تكريم عدد من العلماء والأساتذة ورموز الكلية، بالإضافة إلى شهداء وشخصيات قدمت تضحيات جليلة في الدفاع عن المنطقة والوطن.

إذاً؛ ليست الخمسون عاماً مجرد تاريخ يُحتفل به، بل رأس مال معنوي ومعرفي يُستثمر للمقبل من الأيام. في الحوش، التقت الجامعة بمرايا ذاتها: ريادة تُترجم إلى خدمة، وعطاء يثمر ثقة، وصمود يُنجب أملاً. ومع وعد المجتمع المحلي بالإعمار، وعهد الجامعة على التميز والابتكار، تبدو الخمسون القادمة صفحة مفتوحة على إشعاع علمي وحضاري جديد، تصنعه جامعة الجزيرة مع أهلها، ولأجل وطن يتقدم.

  • 1000078214
    1000078214

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top